اتخذت شركة سبيس إكس، بقيادة الملياردير إيلون ماسك، خطوة تاريخية نحو إعادة تعريف مفهوم الوصول إلى الفضاء. فبعد نجاح رحلتها التجريبية العاشرة هذا الأسبوع، بات صاروخ ستارشيب العملاق أقرب من أي وقت مضى للدخول إلى الخدمة الفعلية، مع وعود بخفض تكلفة الإطلاق إلى مستويات غير مسبوقة قد تصل إلى 100 دولار فقط للكيلوغرام الواحد.
هيمنة متوقعة على سوق الإطلاقات
لا يقتصر إنجاز ستارشيب على كونه قفزة هندسية جبارة، بل يحمل أيضًا مؤشرات على هيمنة محتملة في السوق العالمي. ففي العام الماضي، أُطلق ما يقارب 2200 طن إلى المدار، كان نصيب سبيس إكس منها 1850 طنًا، متفوقة بذلك على البرنامج الصيني الذي لم يتجاوز 164 طنًا. وإذا أثبت ستارشيب كفاءته، فإن التفوق شبه مضمون لصالح الشركة.
كسر حاجز التكلفة
تاريخيًا، كان إرسال الحمولة إلى الفضاء مكلفًا للغاية. ففي ستينيات القرن الماضي بلغت التكلفة حوالي 150 ألف دولار للكيلوغرام الواحد، وانخفضت لاحقًا إلى نحو 64 ألف دولار مع برنامج مكوك الفضاء.
اليوم، يبلغ سعر إطلاق صاروخ فالكون هيفي حوالي 2000 دولار للكيلوغرام، بينما يتوقع ماسك أن يبدأ ستارشيب عند 1000 دولار، ثم ينخفض تدريجيًا إلى 100 دولار، مع تقديرات مستقلة تشير إلى إمكانية الوصول حتى 83 دولارًا.
ورغم أن الحديث عن 10 دولارات فقط للكيلوغرام ما يزال في خانة التكهنات، إلا أن تحقيق رقم قريب من 100 دولار يُمثل ثورة حقيقية في اقتصاديات الفضاء.
الابتكار الأكبر.. إعادة الاستخدام
أحد أسرار نجاح سبيس إكس يتمثل في تطوير تقنية المعززات القابلة لإعادة الاستخدام عبر صواريخ فالكون، حيث يمكن إنزالها بأمان على زوارق برية أو بحرية.
على سبيل المثال، حلق المعزز B1067 نحو 29 مرة، وهو إنجاز غير مسبوق ساعد الشركة على خفض التكاليف وزيادة وتيرة الإطلاقات، لتصل إلى 138 رحلة في عام واحد، متفوقة على برنامج مكوك الفضاء الذي استمر لثلاثة عقود.
ستارشيب.. الصاروخ الأكبر في التاريخ
يبلغ ارتفاع ستارشيب 120 مترًا، ليصبح أكبر صاروخ شُيّد على الإطلاق، كما ينتج ضعف قوة الدفع مقارنة بصاروخ ساتورن 5 الذي حمل بعثات أبولو إلى القمر.
-
الإصدار الثالث من ستارشيب سيتمكن من حمل 100 طن إلى المدار.
-
الإصدار الرابع، المتوقع عام 2027، سيرتفع إلى 142 مترًا وبقدرة حمولة تصل إلى 200 طن.
وعلى عكس صواريخ فالكون، فإن ستارشيب مصمم ليكون قابلًا لإعادة الاستخدام بشكل كامل، سواء المعزز أو المركبة الفضائية. ولتلبية الطلب الهائل، تبني سبيس إكس مصنعًا جديدًا في تكساس قادرًا على إنتاج صاروخ ستارشيب يوميًا.
ثورة في الأقمار الصناعية والنقل الفضائي
انعكاسات هذه القفزة بدأت تظهر بالفعل. فقد أصبح مصممو الأقمار الصناعية أكثر جرأة في تطوير أنظمة ضخمة، بعد أن كانوا مقيدين بحدود الوزن. على سبيل المثال، جمعت شركة K2 Space الأمريكية نحو 110 ملايين دولار لبناء أقمار صناعية بوزن 15 طنًا.
كما سيتيح انخفاض التكلفة للشركات استخدام أقمار صناعية قصيرة العمر واستبدالها سريعًا، دون القلق بشأن التكاليف الباهظة.
إضافة إلى ذلك، يجري استكشاف استخدام ستارشيب لنقل البضائع بسرعات فائقة عبر الأرض نفسها، إذ وقعت القوات الجوية الأمريكية عقدًا مع سبيس إكس لدراسة إمكانية إيصال الإمدادات حول العالم خلال ساعات معدودة.
منافسون في موقف صعب
رغم محاولات شركات مثل بلو أوريجين (المملوكة لجيف بيزوس) بصاروخها "نيو جلين"، فإن أياً منها لم يقترب من الجمع بين التكلفة المنخفضة، القدرة الهائلة، وتكرار الإطلاق كما تفعل سبيس إكس.
ووفقًا للمحللة مورين هافرتي من شركة سيرافيم سبيس، قد يشبه تأثير ستارشيب في سوق الفضاء ما حققته شركة إنفيديا من هيمنة شبه مطلقة في سوق رقائق الذكاء الاصطناعي. وهو ما يعني أن صانعي السياسات والمستثمرين قد يواجهون قريبًا واقعًا جديدًا: مستقبل الفضاء يسير بخطى متسارعة نحو أن يكون تحت سيطرة إيلون ماسك.
تعليقات
إرسال تعليق