القائمة الرئيسية

الصفحات

الأراضي البيضاء بين مطرقة الرسوم وسندان الاستثمار.. من الرابح ومن الخاسر؟


في خضم التحولات الاقتصادية والعمرانية المتسارعة التي تشهدها المملكة العربية السعودية، يبرز نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة كأحد أهم الأدوات التنظيمية التي تسعى بها الدولة لإعادة ضبط سوق العقار وتحقيق التوازن بين العرض والطلب. وبينما يراه مؤيدوه وسيلة لدفع عجلة التنمية العمرانية، يعتبره معارضون عبئًا إضافيًا على الملاك، خصوصًا صغارهم.

 

رؤية استراتيجية تستند إلى توجيهات القيادة

أكد وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ماجد بن عبدالله الحقيل أن النظام المعدل يأتي ضمن أربعة توجيهات كبرى صدرت عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تشكل خارطة طريق نحو تنمية حضرية متوازنة ومستدامة، خاصة في العاصمة الرياض. وتشمل هذه التوجيهات:

  • رفع الإيقاف عن بعض الأراضي في شمال الرياض.

  • تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر.

  • إصدار النظام المعدل لرسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة.

  • توفير أراضٍ سكنية عبر الهيئة الملكية لمدينة الرياض.

     

ما هي الأراضي البيضاء؟

الأراضي البيضاء هي كل أرض فضاء قابلة للتطوير تقع داخل النطاق العمراني، ولم تُستغل في أي نشاط سكني أو تجاري. وجودها بشكل غير مطور يعمّق أزمة الإسكان ويشوّه المشهد الحضري، خصوصًا في المدن الكبرى.

 

أهداف فرض الرسوم

  • تحفيز التطوير وتشجيع الملاك على البناء أو البيع.

  • تحقيق توازن السوق ومنع الاحتكار والمضاربة.

  • زيادة المعروض السكني والتجاري بأسعار مناسبة.

  • دعم مشاريع الدولة عبر الإيرادات المحصلة.

     

تعديلات جوهرية على النظام

شهد النظام في نسخته الأخيرة (ذو القعدة 1446هـ) تعديلات واسعة، من أبرزها:

  1. تغيير المسمى إلى نظام رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة.

  2. توسيع نطاق التطبيق ليشمل المباني الشاغرة غير المستغلة.

  3. رفع نسبة الرسوم من 2.5% ثابتة إلى رسوم متغيرة تصل حتى 10% حسب الموقع والأولوية.

  4. فرض الرسوم على الأراضي التي تتجاوز مساحتها 5000 متر مربع داخل النطاق العمراني.

  5. استحداث رسم على العقارات الشاغرة بنسبة تصل إلى 5% من أجرة المثل.

  6. إصدار لوائح تنفيذية منفصلة لكل من الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة.

     

آلية التطبيق

قسمت الوزارة مدينة الرياض إلى خمس شرائح جغرافية تُطبق فيها الرسوم تدريجيًا، تبدأ من 10% للشريحة ذات الأولوية القصوى، نزولًا إلى 2.5% للشريحة الأقل أولوية. وسيبدأ العمل فعليًا بالنظام مع بداية العام المقبل، وسط دعوات لأصحاب الأراضي للتسجيل خلال 60 يومًا لتفادي الغرامات التي قد تصل إلى 100% من قيمة الرسم.

 

المؤيدون: إصلاح يعزز التنمية

يرى أنصار النظام أن تطبيقه سيحقق عدة فوائد، منها:

  • تحفيز الملاك على استغلال الأراضي.

  • كبح أسعار العقار التي ارتفعت بفعل الاحتكار.

  • تعزيز الشفافية والامتثال في السوق العقاري.

  • توفير إيرادات إضافية لمشاريع البنية التحتية والإسكان.

  • تحريك أكثر من 60 نشاطًا اقتصاديًا مرتبطًا بالقطاع.

     

المعارضون: مخاوف من الأعباء والتأثير السلبي

في المقابل، يطرح المعارضون عدة هواجس، أبرزها:

  • إرهاق صغار الملاك الذين قد لا يملكون القدرة على التطوير.

  • غياب معايير تقييم دقيقة قد يفرض رسومًا غير عادلة.

  • التأثير المحتمل على جاذبية الاستثمار العقاري.

  • محاولات للتحايل عبر تفتيت الملكيات أو البيع القسري.

     

آلية الاعتراض

يتيح النظام للمالك التظلم خلال 60 يومًا من استلام إشعار الرسم، حيث تنظر لجنة مختصة في الاعتراضات، مع إمكانية الاستعانة بمحامين مختصين لتقديم الدعم القانوني.

 

الرياض.. بؤرة الإصلاح العقاري

تركز الجهود بشكل خاص على الرياض، التي تمثل ما يقارب نصف الاقتصاد غير النفطي للمملكة، وتستعد لاستضافة أحداث عالمية كبرى مثل إكسبو 2030 وكأس العالم 2034. وتعمل الوزارة على تسريع التراخيص وتسهيل الإجراءات عبر منصات إلكترونية مثل إتمام لضمان بيئة أكثر عدالة وشفافية.

 

مستقبل السوق العقاري

أكدت وزارة الإسكان أن النظام يخضع لمراجعة سنوية شاملة تقيس مدى فعاليته في معالجة أزمة العقار، مع إمكانية تعديله أو تعليقه حسب المصلحة العامة.

 

بين الإصلاح والعبء

في النهاية، تبقى رسوم الأراضي البيضاء والعقارات الشاغرة أداة إصلاح جريئة تحمل في طياتها فرصًا كبيرة لتحقيق التنمية العمرانية المستدامة، لكنها في الوقت نفسه قد تتحول إلى عبء ثقيل إذا لم تُطبق بعدالة وشفافية. وبين المؤيد والمعارض، سيظل نجاح النظام مرهونًا بقدرة الدولة على تحقيق التوازن بين كسر الاحتكار وحماية صغار الملاك.

تعليقات

التنقل السريع